التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يُعَدُّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أوَّل من أدخل نظام الشرطة الداخليَّة للمحافظة على الأمن في داخل الدولة.
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم شرطته التي تقوم له بأعمال الأمن، ولكنها لم تكن شرطة متخصِّصة بالمعنى المفهوم، إنما كان يكلِّف بعض الفرسان، أو كبار رجال القبيلة، بتنفيذ الأمر الأمني، من إقامة حدٍّ، أو القبض على مجرم، أو حماية شيء، وكذا ظهرت هذه الوظيفة في عهد الصديق رضي الله عنه، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أوَّل من تولَّى هذه المهمَّة[1].
لكن يُعَدُّ عمر رضي الله عنه هو أوَّل من أدخل نظام الشرطة الداخليَّة للمحافظة على الأمن في داخل الدولة[2]، وكانوا يطوفون بالليل في الطرقات لمنع الجرائم، ولإشعار المواطنين بالأمن. فإن الأمر لم يأخذ شكلًا نظاميًّا إلا في عهد عمر رضي الله عنه!
عُرِف نظام الأمن الداخلي لعمر بالشرطة:
ورد في شعر لأبي شجرة بن عبد العزى، وهو ممن ارتدَّ في بني سليم، وحارب خالدَ بن الوليد، وله أشعار في مدح الردَّة، ومقاومة المسلمين، ثم عاد للإسلام لاحقًا، قَالَ عبد الرحمن بن أنس السلمي: ".. فَبَيْنَمَا عُمَرُ رضي الله عنه يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ فِي النَّاسِ إِذْ جَاءَهُ أَبُو شَجَرَةَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْطِنِي؛ فَإِنِّي ذُو حَاجَةٍ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَبُو شَجَرَةَ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى السُّلَمِيُّ قَالَ: أَبُو شَجَرَةِ؟ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَلَسْتَ الَّذِي تَقُولُ: فَرَوَيْتُ رُمْحِي مِنْ كَتِيبَةِ خَالِدٍ وَإِنِّي لَأَرْجُو بَعْدَهَا أَنْ أُعَمَّرَا قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَعْلُوهُ بِالدِّرَّةِ فِي رَأْسِهِ حَتَّى سَبَقَهُ عَدْوًا، وَرَجَعَ إِلَى نَاقَتِهِ فَارْتَحَلَهَا، ثُمَّ أَسْنَدَهَا فِي حَرَّةِ شُورَانَ رَاجِعًا إِلَى أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ:
قَدْ ضَنَّ عَنَّا أَبُو حَفْصٍ بِنَائِلِهِ ... وَكُلُّ مُخْتَبِطٍ يَوْمًا لَهُ وَرِقُ
مَا زَالَ يُرْهِقُنِي حَتَّى خَزِيتُ لَهُ ... وَحَالَ مِنْ دُونِ بَعْضِ الرَّغْبَةِ الشَّفَقُ
لَمَّا رَهِبْتُ أَبَا حَفْصٍ وَشُرْطَتَهُ ... وَالشَّيْخُ يَفْزَعُ أَحْيَانًا فَيَنْحَمِقُ[3]
من مهام الشرطة:
كان للشرطة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عديد من المهام منها:
أولًا: حفظ الأمن العام، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من عسَّ بالليل.
ثانيًا: استخدام الشرطة في الولايات المختلفة.
ذكر وكيع في أخبار القضاة أن إبراهيم النخعي كان جلوازًا للقاضي شريح، والجلواز هو الشرطي، وجمعه جلاوزة، وورد أيضًا أن عبد الله بن مسعود كان يستخدم الشرطة في الكوفة لحفظ الأمن، ولإحضار المتهمين، وأمر عمر بن الخطاب أبا موسى الأشعري في البصرة بالحرص على تنفيذ الأحكام، وكان الذي يقوم بذلك الشرطة، وأقامت الشرطة الأحكام في اليمن على قتلة.
ثالثًا: مصادرة أموال المديونين:
عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دَلَافٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ يَسْبِقُ الْحَاجَّ فَيَشْتَرِي الرَّوَاحِلَ. فَيُغْلِي بِهَا. ثُمَّ يُسْرِعُ السَّيْرَ فَيَسْبِقُ الْحَاجَّ. فَأَفْلَسَ فَرُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ. «أَيُّهَا النَّاسُ. فَإِنَّ الْأُسَيْفِعَ، أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ. بِأَنْ يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجَّ أَلَا وَإِنَّهُ قَدْ دَانَ مُعْرِضًا (يعني يعرض نفسه على كلِّ الناس ليستدين). فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ (غير قادر على السداد). فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ. نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ. وَإِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ، فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرْبٌ»[4].
رابعًا: حماية ممتلكات الدولة:
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ (أسلم مولى عمر)، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الحِمَى، فَقَالَ: [5]"يَا هُنَيُّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ المُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَةَ المَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ، وَرَبَّ الغُنَيْمَةِ، وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ، وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ، وَرَبَّ الغُنَيْمَةِ: إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا، يَأْتِنِي بِبَنِيهِ "، فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لاَ أَبَا لَكَ، فَالْمَاءُ وَالكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلاَمِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ المَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا[6].
خامسًا: حماية السجون:
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول أسس سجن في الإسلام: ذكر البخاري في صحيحه: «باب الربط والحبس في الحرم وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ[7] دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةِ دِينَارٍ وَسَجَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ»[8].
وفي البيهقي: «أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ الأَصْبَهَانِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُنْدَارٍ الضَّبِّىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ قَالَ: اشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارَ السِّجْنِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنْ رَضِيَهَا وَإِنْ كَرِهَهَا أَعْطَى نَافِعٌ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَرْبَعَمِائَةٍ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : فَهُوَ سِجْنُ النَّاسِ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ. وَيُذْكَرُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ كِرَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ الْكِرَاءُ مِثْلُ الشِّرَاءِ قَدِ اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ»[9].
قَالَ ابْن الطلاع: وَثَبت عَن عمر «أَنه كَانَ لَهُ سجن وَأَنه سجن الحطيئة عَلَى الهجو، وصَبيِغًا التَّمِيمِي عَلَى سُؤَاله عليًّا فِي الذاريات والمرسلات والنازعات، وشبههن، وضربه مرّة بعد أُخْرَى، ونفاه إِلَى الْعرَاق - وَقيل: إِلَى الْبَصْرَة - وَكتب أَن لَا يجالسه أحد إِلَى أَن مَاتَ»[10].[11].
[1] تقي الدين المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، 3/388.
[2] أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر، 1/165، وابن الوردي: تاريخ ابن الوردي، 1/142، والسيوطي: تاريخ الخلفاء (مكتبة نزار مصطفى الباز)، ص110، وعلي بن محمد الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية، ص313.
[3] تاريخ المدينة لابن شبة (2/ 765)، وتاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 267)
[4] مالك بن أنس: موطأ الإمام مالك، 2/ 770.
[5] (اضمم جناحك) هو كناية عن الرحمة والشفقة والمعنى كف يدك عن ظلم المسلمين. (أدخل) المرعى. (رب الصريمة) قال الأصمعيُّ: والصِّرْمةُ من الإبلِ: قِطعةٌ خفيفةٌ قليلةٌ، ما بينَ العشرِ إلى بضعَ عَشْرةَ. ووصل بها البعض إلى 30 والبعض إلى 45. (الغُنيمة) مصغر الغنم أي صاحب الغنم القليلة. (وإياي ونعم) أحذرك تحذيرا بالغا أن تتركها تستوعب المرعى فلا يبقى متسع لصاحب الصريمة والغنيمة. (لا أبا لك) هو في الأصل دعاء عليه، ولكن يراد باستعماله خلاف الحقيقة. (وايم الله) وعهد الله. (الكلأ) العشب. (الورق) الفضة. (المال الذي أحمل عليه) الإبل التي كان يحمل عليها ولا يجد ما يركبه من أجل الجهاد في سبيل الله تعالى]
[6] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود (أسلموا تسلموا) (2894).
[7] من فضلاء الصحابة y استعمله عمر t أميرًا على مكة.
[8] البخاري: كتاب الخصومات، باب الربط والحبس في الحرم (2/ 853).
[9] البيهقي في السنن الكبرى (6/ 34) (10962).
[10] ابن المُلَقِّن: البدر المنير (9/ 609).
[11] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: الشرطة في عهد عمر
التعليقات
إرسال تعليقك